إعادة إعمار سوريا- مشروع مارشال الجديد نحو الاستقرار والتنمية

المؤلف: محمد ياسين نجار09.03.2025
إعادة إعمار سوريا- مشروع مارشال الجديد نحو الاستقرار والتنمية

تكتسب زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المُرتقبة إلى منطقة الخليج، والمقرّرة في الفترة ما بين 13 و16 مايو/ أيار 2025، بُعداً بالغ الأهمية في خضمّ التحديات الجيوسياسية والاقتصادية المُعقّدة التي تُواجهها منطقة الشرق الأوسط.

وبينما تتصدر ملفات الاستثمار، والطاقة، والأمن الإقليمي، ومساعي السلام جدول أعمال اللقاءات، يتبوأ "مشروع مارشال السوري" مكانة بارزة كبند محتمل في صلب المباحثات، ليُجسّد رؤية إستراتيجية شاملة لإعادة إعمار سوريا، وإرساء دعائم توازن إقليمي جديد من خلال التنمية المستدامة بدلاً من النزاعات المُسلّحة.

ما هو مشروع مارشال الأميركي؟

هو برنامج اقتصادي طموح أُطلق في عام 1947 بهدف إعادة بناء أوروبا الغربية التي مزقتها الحرب العالمية الثانية. وقد سُمّي المشروع تيمّناً باسم وزير الخارجية الأميركي آنذاك، جورج مارشال، وجرى تقديمه رسمياً في الخامس من يونيو/حزيران 1947. وقد بلغت قيمته الإجمالية 13 مليار دولار، وامتد تنفيذه من أبريل/نيسان 1948 حتى يونيو/ حزيران 1952.

خلال تلك الفترة الزمنية، تمكنت أغلب دول أوروبا الغربية من استعادة حيويتها الاقتصادية، وإعادة بناء قدراتها الإنتاجية في القطاعات الصناعية والزراعية، ونجحت في تحقيق معدلات نمو مرتفعة للناتج القومي الإجمالي تراوحت بين 15% و25% خلال فترة أربعة أعوام.

الغرب ومشروع مارشال السوري: شراكة إنمائية أم مقايضة سياسية؟

وفي سياق سياسي جدير بالاهتمام، أشار الرئيس السوري أحمد الشرع إلى مشروع مارشال خلال زيارته الأخيرة إلى فرنسا، وذلك في مؤتمر صحفي مُشترك جمعه بالرئيس إيمانويل ماكرون. وأعرب عن تطلعه إلى تعزيز وتوطيد العلاقات مع الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة، من خلال تبني رؤية طموحة لإعادة إعمار سوريا على غرار خطة مارشال التاريخية.

كما أفادت صحيفة وول ستريت جورنال المرموقة بأن الرئيس الشرع قد أرسل رسائل إلى البيت الأبيض عبر قنوات ووسطاء، يعرض فيها تصوره لإعادة الإعمار الشامل، ويطلب عقد لقاء مع الرئيس الأميركي ترامب خلال زيارته المُقبلة إلى منطقة الخليج.

ويرتهن نجاح هذا المشروع الطموح بدعم غربي مُخلص وجاد، ليس من أجل سوريا فحسب، بل من أجل إعادة صياغة توازنات منطقة الشرق الأوسط على أسس تنموية تشاركية، كبديل استراتيجي للتنافس العسكري التقليدي. فضلاً عن ذلك، يرى الاتحاد الأوروبي في هذا المشروع وسيلة فعالة لاحتواء التداعيات الناجمة عن فترة ما بعد سقوط نظام الأسد، سواء من حيث تدفق موجات اللجوء، أو التهديدات الأمنية المُحتملة.

إحياء ميراث مارشال.. ولكن بصيغة سورية

يستلهم هذا المشروع اسمه من الخطة الأميركية الشهيرة، إلا أنه لا يقتصر على تقديم المساعدات أو تنفيذ عمليات إعادة الإعمار التقليدية، بل يطرح تصوّراً مُتكاملاً لإعادة بناء الدولة السورية على أسس سياسية واقتصادية عادلة، وذلك من خلال تنفيذ الخطوات التالية:

  • تأسيس بنى مؤسساتية مدنية قوية ورصينة.
  • دعم مسارات العدالة الانتقالية والمصالحة المجتمعية الشاملة.
  • تنمية اقتصاد إنتاجي متنوع ومستدام بعيداً عن الاعتماد على العائدات الريعية.
  • إطلاق بنية تحتية تكنولوجية وسياحية متطورة وفاعلة.

ويُقدّر الخبراء الاقتصاديون المتخصصون أن التكلفة الإجمالية للمشروع ستفوق حاجز الـ 250 مليار دولار، وتمتد على ثلاث مراحل متتالية حتى عام 2035، بتمويل من دول الخليج، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى استثمارات مُجدية من القطاع الخاص.

رؤية اقتصادية عابرة للحدود: الخليج وأوروبا شريكان

لا يقتصر نطاق المشروع على الداخل السوري فحسب، بل يضع سوريا في صميم منظومة اقتصادية إقليمية جديدة، تربط منطقة الخليج بتركيا، وأوروبا عبر شبكة متطورة من الموانئ، وخطوط الغاز، ومشاريع الطاقة المتجددة.

ومن المتوقع أن تضطلع دول الخليج بدور محوري في تمويل مشاريع البنية التحتية والطاقة الحيوية، وتحفيز القطاع الخاص الخليجي للدخول في شراكات استراتيجية طويلة الأمد.

ويرى الخبراء والمحللون أن هذا التكامل المنشود يمكن أن يُساهم في تحقيق ما يلي:

  • تقليص موجات الهجرة غير الشرعية المتدفقة نحو أوروبا.
  • إضعاف البيئات الحاضنة للتطرف والإرهاب.
  • فتح آفاق واسعة لأسواق جديدة أمام الاستثمارات الخليجية والأوروبية.
  • إعادة تعريف سوريا كمعبر استراتيجي للطاقة والتجارة الدولية.

وادي السيليكون وسياحة ما بعد الحرب

من بين أبرز الابتكارات التي يتبناها المشروع، اقتراح إنشاء "وادي السيليكون السوري" في مدينة حلب، كمنطقة تكنولوجية حرة، تحتضن الشركات الناشئة، وتشجع الابتكار الرقمي، وتعمل على استقطاب الكفاءات السورية المهاجرة من الخارج.

كما يهدف المشروع الطموح إلى إعادة إحياء المواقع السياحية التاريخية والأثرية في تدمر، حلب القديمة، دمشق، إدلب، وحماة، وربطها بمسارات سياحية دينية وثقافية مُستدامة تُدرّ دخلاً طويل الأمد، وتعزز من الهوية الوطنية.

الحوكمة والشفافية: ضمانات النجاح

يعتمد نجاح المشروع بشكل أساسي على العناصر التالية:

  1. إنشاء هيئة رقابة مستقلة تخضع لسلطة برلمان انتقالي سوري مُنتخب، وتنشر تقارير مالية دورية ربع سنوية، وتخضع لعمليات تدقيق خارجي من شركات عالمية مرموقة.
  2. يُعد إشراك المجتمع المدني السوري بجميع أطيافه عنصراً حاسماً في منع تسييس المشروع، وتحويله إلى أداة نفوذ بيد أي طرف سياسي.
  3. الاستفادة القصوى من الكفاءات السورية المتميزة في المجالات الاقتصادية والتقنية والإدارية، وخاصةً المغتربين الذين اكتسبوا خبرات واسعة خلال الأعوام الماضية، للاستفادة منها في تطبيق معايير الجودة العالمية وتجاوز السلبيات التي كانت تعترضهم.

سوريا جديدة: من ساحة صراع إلى محور استقرار

لا يهدف المشروع إلى معالجة التداعيات الناجمة عن حقبة ما بعد الأسد فحسب، بل يطمح إلى إعادة تشكيل الدولة السورية من خلال تعزيز اللامركزية الإدارية، ودعم الإنتاج المحلي المتنوع، وربط سوريا بشبكات نقل إقليمية متطورة، ومشاريع طاقة متجددة.

ويرى مراقبون أن المشروع قد يوجه اهتمام القوى الدولية نحو أدوات التنمية والبناء بدلًا من استخدام القوة العسكرية، شريطة التوصل إلى تسوية سياسية شاملة، وتحقيق توافق إقليمي ودولي يمنح المشروع الشرعية اللازمة.

هل هو مشروع واقعي أم رؤية مؤجلة؟

على الرغم من الإشادة بجرأة الطرح وأصالته، يرى بعض المحللين أن تعقيدات الواقع السوري الراهن، وتضارب المصالح الدولية، وغياب تسوية شاملة للأزمة تجعل المشروع في الوقت الحالي مجرد إطار نظري ينتظر لحظة سياسية مناسبة.

لكن في المقابل، قد تمنح البراغماتية التي يتمتع بها الرئيس الشرع، جنبًا إلى جنب مع الحاجة الماسة لدى دول الخليج والدول الغربية لتحقيق الاستقرار والخروج من حالة الركود الاقتصادي، زخمًا حقيقيًا للمشروع إذا ما تم طرحه ضمن تفاهمات دولية أوسع.

خاتمة: سوريا ما بعد الحرب.. هل يمكن أن تكون قصة نهوض؟

في عالم عربي مثقل بالصراعات والنزاعات، وأمام قوى دولية تتردد بين التدخل العسكري والانسحاب، يقدّم "مشروع مارشال السوري" بصيص أمل ونموذجًا بديلًا، لا يقوم على تقاسم مناطق النفوذ، بل على شراكة تنموية حقيقية ومُستدامة.

ويتوقف نجاح هذا المشروع بشكل كبير على عاملين أساسيين: إرادة سياسية سورية صادقة ومنفتحة على جميع الأطراف، وشبكة إقليمية ودولية قادرة على تحمل المسؤولية، ترى في سوريا فرصة حقيقية للتعافي والنهوض، لا مجرد ساحة للصراع المفتوح.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة